أعمال المعتمر في الميقات

ماذا يفعل المعتمر في الميقات

الميقات هو أحد أهم المحطات في رحلة العمرة، وهو الموضع الزماني والمكاني الذي يشرع فيه المعتمر بالنية والدخول في النسك. وقد بيّن النبي ﷺ المواقيت المكانية التي يجب على المعتمر ألا يتجاوزها إلا مُحرِمًا، وأوضح الأعمال التي ينبغي أداؤها عند بلوغها. إن الالتزام بما حدده الشرع في الميقات من أفعال وأذكار وشروط يعدّ جزءًا أصيلًا من صحة النسك وكماله. وتفصيلًا، نستعرض في هذا المقال الموسّع كل ما يتعلق بما يجب على المعتمر أن يفعله عند الميقات، مع توضيح الأحكام الفقهية والمقاصد الشرعية المتعلقة بذلك، وفق ما ورد في النصوص الثابتة وأقوال العلماء الراسخين.

أولًا: مفهوم الميقات وأنواعه

الميقات في اللغة: هو الحدّ والوقت المحدد لشيءٍ ما، وفي الشرع هو:

• الميقات المكاني: المواضع التي حددها النبي ﷺ للإحرام لمن أراد دخول مكة مريدًا النسك.

• الميقات الزماني: الأوقات التي يحل فيها أداء النسك، ويُقصد في العمرة أن ميقاتها الزماني هو العام كله، فيجوز أداء العمرة في أي وقت، بخلاف الحج الذي له أشهر معلومات.

وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:

“وقّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجُحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمَهِلّه من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يُهِلّون منها”.

(رواه البخاري ومسلم)

ثانيًا: الأعمال التي يجب على المعتمر فعلها في الميقات

1. الاغتسال والتجرد من المخيط

من السنة المؤكدة أن يغتسل المعتمر عند وصوله إلى الميقات، كما يغتسل المغتسل للجنابة، وهذا الغُسل مشروع للرجال والنساء، حتى الحائض والنفساء.

قال النووي: “والسنة أن يغتسل للإحرام، فإن لم يجد ماءً تيمم”.

وقد ورد عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنها اغتسلت وهي نفساء قبل الإحرام، بأمر النبي ﷺ.

ويُستحب للرجال بعد الاغتسال أن يتجردوا من اللباس المخيط، ويلبسوا إزارًا ورداءً أبيضين نظيفين، وهو ما يُعرف بـ”لباس الإحرام”، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب المحتشمة، على ألا تكون متبرجة ولا متزينة، دون تغطية الوجه أو الكفين، إلا عند وجود الرجال الأجانب.

2. التنظف والتطيب (للرجال)

من المستحب أن يتطيب المعتمر قبل الإحرام في بدنه دون ثيابه، لما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

“كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يُحرِم”.

ويجب التنبه إلى أن الطيب لا يجوز بعد الإحرام، بل يجب أن يكون قبل النية.

3. أداء الصلاة (إن حان وقتها)

إذا دخل وقت صلاة مكتوبة، فإن الأفضل أن يصلي المعتمر في الميقات قبل الإحرام، ثم يُحرم عقب الصلاة مباشرة، كما فعل النبي ﷺ حين أحرم بعد صلاة في ذي الحليفة. وإن لم يكن وقت صلاة مكتوبة، فله أن يصلي ركعتين بنية سنة الوضوء، ثم يحرم بعدهما.

4. النية بالدخول في النسك (الإحرام)

بعد أن يغتسل ويلبس لباس الإحرام ويصلي، يُشرع له الدخول في النسك بنية العمرة، ويقول:

“لبيك عمرة”

أو: “اللهم إني أريد العمرة، فيسرها لي وتقبلها مني”.

والنية محلها القلب، لكن التلفظ بها مستحب اتباعًا للسنة.

5. التلبية بعد النية

فور النية، يبدأ المعتمر بالتلبية، فيقول:

“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.

ويُستحب تكرارها ورفع الصوت بها للرجال، أما النساء فيخفضن صوتهن. وتستمر التلبية إلى أن يبدأ بالطواف عند دخول مكة.

ثالثًا: المواقيت المكانية بالتفصيل

وتجب الإشارة إلى أن من مر بأي من هذه المواقيت قاصدًا العمرة أو الحج، وجب عليه الإحرام منها، فإن تجاوزها دون إحرام أثِم ووجب عليه دم (ذبح شاة)، إلا إذا عاد إليها وأحرم منها.

رابعًا: حكم تجاوز الميقات بدون إحرام

من الأحكام المهمة المتعلقة بالميقات أن تجاوزه دون نية النسك غير جائز شرعًا لمن أراد العمرة أو الحج. قال الفقهاء: من تجاوز الميقات مريدًا النسك دون إحرام، ثم أحرم بعده، فقد ترك واجبًا وعليه دم (ذبح شاة في مكة وتوزيعها على فقراء الحرم).

لكن إن عاد إلى الميقات وأحرم منه، فلا شيء عليه.

خامسًا: أحكام تخص النساء في الميقات

المرأة في الميقات تُؤمر بما يُؤمر به الرجل من غسل ونية وإحرام، إلا أنها تختلف في أمرين:

1. لا تُلزم بلباس معين، بل تلبس ما تشاء من غير زينة أو تبرج.

2. لا تُجهر بالتلبية كما يفعل الرجال.

كما يُسمح للحائض والنفساء بالإحرام، لكن لا تُصلي، ويؤخران الطواف حتى تطهر.

سادسًا: التنبيهات الشرعية عند الإحرام من الميقات

• لا يجوز للمعتمر ارتداء المخيط (للرجال)، كالقميص، والسراويل، والبرانس، والعمائم.

• لا يجوز استخدام العطور أو قص الأظافر أو إزالة الشعر بعد الإحرام.

• لا يجوز عقد النكاح، أو مباشرة النساء، أو الجماع، أو مقدماته.

• من السنة أن يُكثر المعتمر من التلبية والتكبير والتهليل، والدعاء أثناء المسير إلى مكة.

سابعًا: الإحرام من الطائرة

المسافر جوًا إلى مكة يمر فوق الميقات من الجو، فإن كان يعلم بوقت المرور، وجب عليه أن يكون قد لبس لباس الإحرام قبل الاقتراب من الميقات، ثم ينوي ويدخل في النسك حين يحاذيه في الجو.

وتعلن غالب شركات الطيران عن الميقات للركاب في الوقت المناسب، وعلى المسلم الاستعداد لذلك.

أما من لم يُحرم عند محاذاة الميقات جوًا، ثم أحرم بعد تجاوزه، فعليه فدية.

ثامنًا: فتاوى العلماء حول الإحرام من الميقات

أجمع العلماء على أن الإحرام من الميقات واجب لمن أراد النسك، ولا يجوز تجاوزه دون نية، كما قال الإمام ابن قدامة:

“ومن جاوز الميقات غير مُحرِم رجع فأحرم، فإن لم يفعل فعليه دم، سواء كان من أهل تلك البلاد أو لا”.

وذكر الشيخ ابن باز:

“الواجب على من مر بالميقات مريدًا الحج أو العمرة أن يُحرِم منه، فإن تجاوزه وأحرم بعده فعليه دم؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الإحرام”.

تاسعًا: أثر الالتزام بالإحرام من الميقات على صحة العمرة

إن أداء الإحرام من الميقات لا يُعدّ مجرد عمل شكلي، بل هو شرط من شروط صحة النسك؛ فمن التزم به، فقد دخل في النسك على الوجه الشرعي، وترتب له الأجر، ومن أخلّ به، فعمرةه صحيحة مع وجوب الفدية، لكنه أثِم لمخالفته الأمر النبوي.

عاشرًا: ملخص ما يقوم به المعتمر في الميقات

المصادر والمراجع

1. صحيح البخاري، كتاب الحج.

2. الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي.